Sunday 19 June 2016

وداعا ام فهد...

و ان تعدوا نعم الله لا تحصوها

التفكر في قصة وفاة عمتي أم فهد دلني على كثير من الحكم واللطائف الالهية ، فإن الله يدبر لنا التباشير ليمسح على قلوبنا عند فراق الأحبة:

قصة عمتي الراحلة مجموعة متسلسة من رحمات الله بعباده المؤمنين التي انتهت بحسن الخاتمة بإذنه تعالى، إن مهنتي كطبيب تعني أنني أرى كثير من اللحظات والمواقف والعبر، وقد أقف على قصص عجاب من المرضى ومن معهم حولي سواء الأحياء منهم وحتى من توفاه الله تعالى،
فعمتي أم فهد ((سارة)) عاشت نعمة تلو الأخرى في مسيرة مرضها التي بدأت قصتها منذ  أكثر من ثلاثين سنة حين أصيبت بمرض السكر. هذا المرض الذي يراه الكثير عدواً كان لها نعمة و ستسألون كيف:
مرضى السكر و خصوصا أصحاب معدلات السكر الغير منتظمة يصابون بعدة مضاعفات سيئة منها :
مشاكل البصر و لم تصاب أم فهد ولله الحمد بالعمى
مشاكل في الكلى و قد أصيبت كليتها بالضعف البسيط و لكن لم تحتج يوما إلى غسيل الكلى ومآسيه،
ويصابون بمشاكل في القدم و لكنها لم تضطر يوما بفضل الله لبتر طرف من أطرافها،
مشاكل في المخ و لم تصب في جلطة دماغية أبدا لتقعد مشلولة

لكننا نعرف أن قلبها ضعف ومرض من السكر وكان عندها ضعف في عضلات قلبها لا يفسره إلا أنه أصيب بحادث مفاجئ وقوي و لكن متى...؟ هذا مالا نعلمه والله وحده به عليم. لكن تنبأ بعض الأطباء بسببه..
هي لم تشعر بالاصابة لكنها حسب تفسيرات بعض الاطباء قد أصيبت بأكثر من جلطة قلبية صامتة و رحمة الله الواسعة أبت أن تشعرها بهذا الألم الصارخ المبكي. فألم الجلطة يمثله البعض كجبل يقف على الصدر أو السكين في الظهر…

لكن من رحمة الله كانت تشعر فقط بضيق النفس وهذا ألطف وانتفاخات بأرجلها بسبب ضعف عضلات قلبها بعد الجلطات المتوالية… الصامتة!

و تستكمل القصة باصرار أبنائها على برها فأخذوها لأفضل أماكن العلاج، وهيئوا الجو المناسب لرعايتها الصحية، ومن لطائف هذا الأمر أن الله تعالى اكرم عمتي رحمها الله وجعلها تعيش وترى بر أبنائها وهذا الأمر الذي ترجوه  كل الأمهات، إن هذه نعمة ، ونعمة كبيرة أن يبلغنا الله راحتنا بأبنائنا الصالحين. و من المعروف أن هذه نعمة يفتقدها الكثير. فزارت من خلال بر أبنائها:  الدكتور بدر المهدي العالمي في الدبوس و المطيري في الصدري و غيرهم من الأطباء الكويتيين الأكفاء. و ذهبت للعلاج في بريطانيا بعد زيارة الكل لتستقر شخصيا على قرار اجراء عملية قلب.

لم تنتهي تأملاتي بنعم الله عليها فهناك نعمة أخرى:  وهي اتخاذها قرار اجراء العملية بمحض ارادتها بعد استشارة محبيها. اتخاذها للقرار هو نعمة بنظري, فهناك الكثير من المرضى الذين لا يقدرون على هذا القرار.

و من عجائب رحمته: و قبل العملية ان تؤدي أم فهد أمانتها و توصي أبنائها و تسلم على أحبابها و ليس ذلك فحسب, فإن الرحمن يسر لعباد الله الآخرين أن يسعو من بلدان أخرى قبل سفرها لكي يتصالحوا معها. ففي قصتها نرى تدبير الله و تخطيط إلهي محكم يستحق التأمل والاعتبار.

ورحمات أخرى: و تبدأ العملية, فتنام أم فهد بعد تشهد و بعد أن تصلي الفجر و بعد العملية لا تستيقظ استيقاظا كاملا ((رحمة من رب العالمين))حتى لا تشعر بألم العملية القوي فإنها تحت تأثير المخدر و البنج. فتبدأ المضاعفات و أم فهد نائمة غير متألمة باذن الله رحمة من الله …
و تتوقف الكلى عن العمل.. و أم فهد نائمة …
و تتوقف الكبد عن العمل...  و أم فهد تحلم بهدوء…
و تتوقف الدورة الدموية و يهبط الضغط و يصارع الأطباء الهبوط… و أم فهد مرتاحة تحلم باذن الله …
و يشاء الله أن يبقي أم فهد من الأثنين إلى يوم الجمعة المبارك ليتوفاها إليه كي يختم خاتمتها على ما يحبه الله و يرضاه… وفي يوم و هو خير يوم طلعت فيه الشمس،  تتوفي أم فهد ليكتشف أبنائها و لن يتوقفوا عن اكتشافاتهم عن سرائر أعمال أم فهد في هذه الدنيا…
و من نعم الله أنه أخذ روحها الطاهرة من غير ألم أو نزع فنحن كأطباء نرى في مرضانا نزع الروح فهي كانت مخدرة نائمة حالمة و توفاها الله وهو خير صاحب وخير من يرحمها ويلطف بها، ونحسبها من أهل الجنة والله حسيبها،